منتدى الحقيقة المحمّديّة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


" ما عرفني حقيقة غير ربّي "
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 ( تجليات الكوثر) للسيد الشريف الحسني

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
محمّد المهدي




المساهمات : 21
تاريخ التسجيل : 01/05/2014

( تجليات الكوثر) للسيد الشريف الحسني Empty
مُساهمةموضوع: ( تجليات الكوثر) للسيد الشريف الحسني   ( تجليات الكوثر) للسيد الشريف الحسني Emptyالجمعة مايو 02, 2014 10:14 am

( الكوثر الأحمدي)


لقد تنوعت فهوم العارفين لمعنى " الكوثر " على حسب مشاربهم الوجدانيّة والعرفانيّة ، وقد جمعها السّيّد الشّريف الحسني في ( الكوثر الأحمدي ) ومنها :

1  الكوثر هو ( الكمالات اللّامتناهيّة ) :
أي كلّ الإمدادات والفتوحات التي تفضّل بها الحق سبحانه على حبيبه صلى الله عليه وسلّم ، والتي لا ندري لها ماهية ولا غاية ، ولقد ذهب إلى ذلك جمع من السّلف ، حيث أن لفظ الكوثر على وزن فوعل ، وهو من المبالغة في الكثرة ، والتي فسرها سيّدنا ابن عباس ( بالخير الكثير ) ويمكن أن نجمل كلّ ما قاله المفسرون ظاهرا وباطنا في هذا الوجه ، لأنها كلّها من الخير الكثير ، كما جاء في صحيح البخاري ( قَالَ سيدنا ابْنُ عَبَّاسٍ: الْكَوْثَرُ: الْخَيْرُ الْكَثِيرُ. وَقِيلَ لِابْنِ جُبَيْرٍ: إِنَّ نَاسًا يَقُولُونَ: هُوَ نَهْرٌ فِي الْجَنَّةِ، فَقَالَ: هُوَ مِنَ الْخَيْرِ الْكَثِيرِ) .
ولكن سيبقى التساؤل دائما مطروحا ، ماهو هذا الخير الربّاني الكثير ، الذي لازال ينهمر على الحضرة المحمّديّة ، ومتى وكيف وكم .. ؟! وهذا التساؤل هو عين العجز المقصود من هذه السّورة .
إذ أنّ كلّ تفسير لمعنى " الكوثر " يحصر أو يقيّد أو يحدّد فهو دون الحقيقة، فأصدق وأقرب ما يمكن أن يفسر به : هو الكمالات المحمّديّة اللامتناهيّة، وكأنّ الآية لمّا علمت إطلاق تلك الكمالات ، أجملتها في لفظ واسع المعنى ، يحمل كلّ الفضائل الظاهرة والباطنة ، والماضيّة والحاضرة والمستقبلة ..
ويتجلّى هذا في إضمار الإسم المعطي ، مع أنّ القرآن عادة ما يخصّص، لأنّه لكلّ إسم إمداده الخاص، فلم يقل سبحانه إنّ الله أعطاك ، أو إنّ الرّحمن أعطاك، وذلك إمّا لتعظيم العطاء كقوله ( سبحان الذي أسرى ) ، أو لإطلاق المدد من كلّ المحاتد ، الذّاتيّة منها والصّفاتيّة اللّامتناهيّة .
وفي إضمار إسمه الشّريف صلى الله عليه وسلّم هنا إشارة إلى إطلاق الكمالات ، فقال ( أعطيناك ) ولم يقل أعطينا الرسول أو النبي ..، وذلك ليلا يحصر الكوثر بطور من أطوار الحضرة المحمّدية ، والتي هي الأخرى غير متناهية .
وكذلك في إضمار الوصف الشّريف صلى الله عليه وسلّم في ( أعطيناك ) دلالة على شدّة العناية الإلهية بحبيبه صلى الله عليه وسلّم إذ لو قال مثلا " أعطينا الرسول ، أو النبي أو المقرب ..، لتوهّم منه أنّ العطاء كان مقابلا لعمل ما ، وحاشا لله أن يكون هذا مع حبيبه صلى الله عليه وسلّم بل هو محض حبّ وإكرام، من حبيب تعالى لحبيبه صلى الله عليه وسلّم .
بل لفظ العطاء نفسه يدل على الرعاية والعناية ؛ وعادة ما يرد في القرآن الكريم ملازما لاسم ( الرّب) مثل (ولسوف يعطيك ربك فترضى) وقوله تعالى : (كلاً نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محذورا) وقوله تعالى : (جزاء من ربك عطاء حسابا) .
وكان يمكن أن يقول سبحانه" الكثير"بدلا من "الكوثر" ولكن الكوثر أبلغ ، لما فيه من الكثرة المفرطة مع الخير.
وفي هذه الآية حذف للموصوف فلم يقل تعالى " ماءً كوثراً" ولا "مالاً كوثراً" وإنّما قال الكوثر فقط لإطلاق الخير كلّه ، واحتمال أنواع وأطوار الخيرات ، آثارا وأنورا وأسرارا ، جمالا وجلالا وكمالا ...
وما أكد سبحانه الإعطاء بـ (إنّا) أداة التوكيد مع ( نا) العظمة والكبرياء، إلّا لأنّ نعمة الكوثر هذه عظيمة غريبة .
ولكن الذي استوقفني في هذه الآيات العطائيّة، نسبتها لربه صلى الله عليه وسلّم بالكاف المتّصل، الخاص بحضرته صلى الله عليه وسلّم ، فلماذا لم يقل عطاء ربّهم ، أوعطاء الله تعالى، وذلك ليثبت الوساطة المحمّديّة في العطاء ، وهكذا كلّما رجع الضمير إليه صلى الله عليه وسلّم فإنه يكون للآية شأن معه صلى الله عليه وسلّم .
2) الكوثر ( القدم الذّاتي ) :
ولقد ذهب إلى هذا القول أكابر القوم ، فقالوا بأن الكوثر هنا يشير إلى أعظم كمالاته صلى الله عليه وسلّم والذي هو التّحقق الذّاتي ، فأنت إذا أردت أن تمتدح حبيبا لك ، وتمتنّ بعطياك عليه ، فإنّك ستذكر له أعظمها وأجلّها ، إذا فكيف بمنّة العظيم سبحانه على حبيبه الكريم صلى الله عليه وسلّم، فلا بدّ وأن تكون أعظم وأقدس ، فلا يترك الكبرى ويذكر الصغرى ، اللّهمّ إلّا إن كان المخاطبون لا يدركون ماهية الكبرى .  
ولقد عبرنا على الكوثر بـ ( المقام الذاتي ) ليدخل ضمنه كلّ الفتوحات الذّاتيّة الأزليّة ، وجودا وتعبّدا ومعرفة وشهودا وتحققا، في حين أنّ كلّ الخلائق الإمكانيين صفاتيّون ،
فهذا هو عين العطاء المعبر عنه بنون العظمة ( إنّا) فكلّ عطيّة لسواه تستمد من مشكاة النّعوت ، وأمّا عطيا الحضرة المحمّديّة فهي تستمد من معين العين، وهذا هو المقصود بالكوثر عند الأكابر .
وناهيك بإمدادات الذّات كوثرا، والتي كلّ ما في هذ العالم الأبدي ، ماهو إلّا قطرة من غيض فيضها ، وإليها الإشارة بقولهصلى الله عليه وسلّم ( إنّي لست كهيئتكم، إنّي أبيت عند ربّي يطعمني ويسقيني ) وممّا يؤكد هذا المذهب أنّ الآية أضمرت الإسم المعطي ، وإذا طلعت شمس الذّات غابت بدور الصفات ، وكذلك تصدّرت بنون العظمة الذّاتية، ثمّ أزّرتها بنون الجمع الأحدي ، أوسمّيها بـ " نون الكوثر"  وما أدراك بعطاء يعظّمه العظيم ، ويكثّره الكبير سبحانه وتعالى .
ولمّا كان الكوثر الذّاتي خاص بالعبد الفرد صلى الله عليه وسلّم تخصّصت الآية، بدلالة تقديم الضّمير( إنّا) وأهم أغراض التّقديم هو الاهتمام والاختصاص، فكأنّه يقول أنا أعطيتك لا غيري ، ونون العظمة تؤكد أنّ العطاء ذّاتي أحدي .
ويعضد هذا التّخصيص أيضا لام الإختصاص في (لربك)، ويخصصه كذلك اسم ( رّبك) وذلك أنّ الرّب له إضافته الخاصة مع كلّ عبد، فهو يتغير على حسب الرّتب والأطوار، ولا سيّما إن خصصته كاف الإتصال.
فالرّب هنا هو عينه الذي في حديث (إنّي لست كهيئتكم ، إنّي أبيت عند ربّي) فلمّا اختلفت الهيئات، اختلفت دلالة الرّبوبية، فالرّب عندهصلى الله عليه وسلّم هو الذّات الأقدس ، ومع سواه هو الأسماء والصفات .
فلو قال فصلّ لله تعالى، أوفصلّ للمعطيتعالى، أو فصلّ لنا، لتوهّم إشتراكنا معه في جنس العطيّة الكوثريّة ، ولكنّه مدد خاص به، على حسب مقامه الأحمدي ، الذي تقتضيه عبوديته العينيّة ، وفتحه الذّاتي الأعظم .
وكذلك في إضمار إسمه صلى الله عليه وسلّم في ( أعطيناك ) إشارة إلى طور الحقيقة المحمّديّة ، والتي هي مجرّدة عن الأسماء والأوصاف، فاقتضى هذا الطّور أنّ هذه العطيّة من قبيل التّحققات الذّاتيّة، الخاصّة بالنّور الأول صلى الله عليه وسلّم .
ويؤيّد هذا الملحظ تفسير من قال: أنّ عطاء الكوثر هو انجاز لوعد الضحى (ولسوف يعطيك ربك فترضى) فلن يرضى الحبيبصلى الله عليه وسلّم بدون الذّات الأقدس .
ويقولون إنّ في إيراد (أعطيناك) بصيغة الماضي تحقيقاً لوقوعه وهو من مظاهر العناية ، وكذلك فيه دلالة على أنّ له صلى الله عليه وسلّم وجود قبل هذه الحياة ، وهناك تحقّق قديم بهذا الكوثر ، ولعله المشار إليه بقوله صلى الله عليه وسلّم( كنت نبيا وآدم بين الرّوح والجسد) ، وما النّبوة إلّا تلك الصلّة العينيّة ، بين الحضرة الإلهية والحضرة المحمّديّة ، تعلّقا وتحقّقا بكوثر الذّاتتعالى  .
ويشهد لهذا المعنى الحديث الذي ورد في الشفا وفيه (.. سل يا محمدصلى الله عليه وسلّم فقلت ما اسأل يارب اتخذت إبراهيم خليلاً، وكلمت موسى تكليماً، واصطفيت نوحا، وأعطيت سليماناً ملكاً لا ينبغي لأحدٍ من بعده ، فقال الله تعالى ما أعطيتك خيرٌ من ذلك أعطيتك الكوثر، وجعلت اسمك مع اسمي ينادى به في جوف السماء.. ) .
فانظر كيف فضّل الحق سبحانه منّة الكوثر، على الخلّة والكلام والإصطفاء ..، إذا فلن يكون الكوثر مجرد نهر آثاري في الجنان، بل من ورائه بحور نورانيّة قدسية، وما النّهر إلّا مثال لها في الفيض والسّقي، وعادة ما يضرب المثال للسّقي الربّاني، بالماء أو الخمر أو اللّبن .. كما عليه مذهب أهل الإشارات.
وممّا يشير إلى خصوصيّة تجلي الكوثر بحضرته صلى الله عليه وسلّم ، قوله  صلى الله عليه وسلّم: (أَربع أنزلن من كنز تَحت الْعَرْش :أمّ الْكتاب،وَآيَة الْكُرْسِيّ، وخواتيم الْبَقَرَة، والكوثر (الطبراني)
ومن اللّطائف العرفانيّة في السّورة ، أنّ السياق كان بالمخاطبة دون الغائب، فقال ( إنا أعطيناك) ولم يقل أعطيناه، أو أعطينا الرسول ، وفي ذلك إشارة إلى : أنّ هذا العطاء من جنس الصلة العينيّة ، الخاصة بين حضرة الذّات وبين مظهرها الأحمدصلى الله عليه وسلّم، وكلتا الحضرتين مجهولة ، فالصّلة بين مجهولين بالضّرورة تكون مجهولة ، ومن هنا جاء تخصيص الخطاب بينهما، وكثر في السّورة الإضمار الدّال على الإسرار، وكأنّ الحق تعالى حينما خصّ حبيبه صلى الله عليه وسلّم بالخطاب يقول : إنني أخاطب من يعرف ماهية هذا الكوثر ، أمّا أنتم فينوب عليكم نبيكم صلى الله عليه وسلّم وكفاكم بالإيمان غيبا .
وفي تقدم عطاء الكوثر العرفاني على الأمر بالعبادة ، إشارة إلى أنّ الفتح الذّاتي كان للنّور المحمّدي من أول قدم ، بل ومن قبل أن يصلّي لله تعالى ، وإشارة إلى أنّ عبوديته صلى الله عليه وسلّم كانت عينيّة حقيقيّة على مقتضى الكوثر الأحدي .
مسألة :
وإن قلت : أنّ هذا المعنى لا يتناسب مع سبب النّزول، وسياق السّورة التي ترد على افتراءات من رموه بالبتر في الذّريّة ؟
فنقول : وكأنّ الحق سبحانه ردّ عليهم ردّا بليغا ، بما يسمى بين أهل البديع بـ ( أسلوب الحكيم ) وهو تلقي السامع بغير ما يترقب، بحمل كلامه على خلاف مراده، تنبيهاً على أن الأحقَّ غيرُ ما عناه من كلامه، كقوله تعالى : ( يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج) .
فعوض أن يردّ عليهم بالإمتنان لحبيبهصلى الله عليه وسلّم بكوثر الذّريّة ، والتي هي من زينة الحياة الدنيا ، ردّ عليهم بكوثر المقامات القدسيّة العلويّة ، وهذا من ضروب الإعجاز في هذه السّورة القصيرة اللفظ، المطلقة المعاني .
3) الكوثر : الجمع الصّفاتي
وقالت طائفة أخرى من أهل الكشف ، أنّ الكوثر هو تحقّقه صلى الله عليه وسلّم بخلع اللّاهوت، أو قل تنزله للكوثر بعد التّفرد ، وذلك بالنسبة  للقدم الأمّي الأحدي ، فيكون الكوثر الصفاتي كالجمع التّنويعي في التّجليات ، فإنّ الحقيقة المحمّديّة لمّا كانت متحققة بمظهريّة الذّات الأقدس ، كانت بالضّرورة متوجة بكلّ كمالات الأسماء والصّفات ، ولكنّ حضرة النّعوت لمّا كانت مطلقة ؛ والإطلاق لا يحاط به ، تعيّن هنا تأبّد الوجود الإمكاني ، لتتدرّج الحقيقة المحمّديّة في تفصيل التّحققات الصفاتيّة ، التي أجملت فيها حال تحققها بالذّات الأكبر .
والكوثر الفرقاني هذا خاص بالطّور الرّوحي ، لأنّ الحقيقة المحمّديّة للذّات ، والروح الأعظم للصّفات ، والجسد المقدّس للأفعال ، ولمّا اختصّت الرّوح بالتّفصيل والتفريع ، لقـبّها كثير من العارفين بالكوثر، نسبة للكثرة في التّجليات والمظاهر ، وهو المشار إليه بقوله سبحانه ( قل لو كان البحر مدادا لكلمت ربّي لنفذ البحر قبل أن تنفذ كلمت ربّي ولو جئنا بمثله مددا ).
إذا فالكوثر هو إشارة إلى تحققه صلى الله عليه وسلّم بكثرة الأسماء والصفات الإلهيّة ، والتي هي في حقيقتها غير متناهية ، ولاجرم أنّ من أعطي نعمة مطلقة، لقد أعطي الكوثر .
وفي هذا يقول الشيخ محمد بهاء الدين البيطار قدس الله سرّه : « الكوثر هو بلسان الإشارة : جمعيته للكثرة الأسمائية ، والأحكام الكونية ، والمعاني القدسية ، والمجالي الحقية والخلقية في الهياكل الصورية ، بمراتب الأزلية والأبدية ، ظاهرية كانت أو باطنية ، غيبية أو شهادية » .
4) الكوثر ( أهل البيت ، البتول عليها السلام )
ولقد ذهب جمهور من أهل العلم والمعرفة، بأنّ الكوثر هو الذّرية الطيّبة المباركة، وذلك تناسبا مع سبب نزول الآية ، وكما هو معلوم أنّها نزلت كردّ على كفار قريش، الذين عـيّروهصلى الله عليه وسلّم بموت أحد أبنائه الكرام عليهم السلام ، فقالوا أنه بتر في نسله وحاشاه صلى الله عليه وسلّم ، فنزلت الآية بمقابل إفترائهم ، بالإمتنان الكوثري .
فصار الكوثر مقابلا للأبتر ، فالأبتر عند العرب هو من انقطع نسله ، والكوثر عندهم يطلق على المرأة المنجابة ، فيقال إمرأة ولود وكوثر ويعقوب ، والكوثر قد يكون اسم علم على ذات مخصوصة ، متصفة بتلك النّعوت، فيصح إذا رأي من أطلق  إسم الكوثر على السيّدة فاطمة عليها السلام ، وذلك لكونها هي النّواة لهذه الشجرة الطّيّبة المباركة .
فكان الأمر كما قال سبحانه ، فهاهي الذّريّة المحمّديّة محفوظة إلى يوم الدّين ، جيل بعد جيل ، علماء وأولياء وأمراء صالحون ، وأمّا ذريّة أولئك الشّانئين الفجرة، فقد بترت وقطعت ولا ذكر لها اليوم ، ولو تكاثروا حسّا ولكن لابركة فيهم ، ويصدّق هذا قوله صلى الله عليه وسلّم ( كلّ سبب ونسب ينقطع ، إلّا سببي ونسبي ) .
ويؤخذ منه أنّ البركة كوثره صلى الله عليه وسلّم ، لا يعني التكاثر العدد فحسب ، بل بالبركة والخير والسّر السّاري فيهم أبدا .
ولقد أشار إلى هذا الملحظ اللّطيف ، الإمام الحسن بن علي u، لمّا قام إليه رجل وقال : سوّدت وجوه المؤمنين بأن تركت الإمامة لمعاوية رضي الله عنه ، فقال : لا تؤذني يرحمك الله ، فإن رسول الله رأى بني أمية في المنام يصعدون منبره رجلا فرجلا فساءه ذلك ، فأنزل الله تعالى : إنا أعطيناك الكوثر ( الترمذي وغيره ) .
ولمّا تأمّلت في هذه السّورة، التي امتن فيها الحق سبحانه بالكوثر في الذّريّة الطاهرة ، والسّورة التي تليها في النّزول ، والتي ذمّت التكاثر في الأموال والأولاد .
استلهمت أنّ التّكاثر المذموم هو : الذي لم يكن من نسبه أو سببه صلى الله عليه وسلّم أي لم يكن مرتبطا بجمعه الكوثري ، وأمّا الذي اتّصل به فلا بأس عليه ، كما قال صلى الله عليه وسلّم ( تناكحوا تكاثروا فإنّي مباه بكم الأمم يوم القيّامة ) .
وقال مولاي أحمد ابن إدريس الحسني قدس الله سرّه:  (إنا أعطيناك الكوثر) على حذف مضاف أي أصحاب الكوثر : هم أولاد النبي صلى الله عليه وسلّم لأن الكفار قالوا : إنّ النبي صلى الله عليه وسلّم أبتر أي لا نسل له، وإنه ينقطع نسبه، ولا بنون يقومون بملكه فنزلت : (إنا أعطيناك الكوثر) فبقيت ذريته تملأ الآفاق ، وانقطعت ذريت أعدائه ونسيت .
مبحث وجداني
وإنّ المتأمّل في السنّة الشّريفة ؛ يرى بأنّ هناك تلازما ما بين الكوثر وأهل البيت، ولا غرو فإنّ مصدرهما واحد ، فهما يدان لجسد واحد، فكلاهما يمثلان المدد والسّقي المحمّدي ، وإليك بعض النّصوص على ذلك :
قال  صلى الله عليه وسلّم: إنّي أُوْشِكُ أَن أُدعى فأُجِيبُ ، وإنّي تارِكٌ فِيكُم الثَّقَلَينِ : كتابَ اللهِ حَبلٌ مَمْدُودٌ مِنَ السّماءِ إلى الأرضِ، وعِتْرَتي أهلَ بَيتي، وإنَّ اللَّطِيفَ الخبيرَ أخْبَرَني : أنَّهما لنْ يَتَفَرَّقا حتّى يَرِدا عليّ الحَوضَ. فانْظُروا كيفَ تُخَلِّفُوني فِيهما. (مسلم )
فقارن بين الكتاب والعترة والحوض ، ترى بأنّ سلك نظمهم في هذا السّياق هو الورود ( حتّى يردا ) .
وتبصّر بقوله (يردا عليّ ) ولم يقل يردا على الحوض ، لأنّ معين الورد هو  كوثريته الذّاتيّة صلى الله عليه وسلّم ، التي يردّ إليها القرآن من بعدما صدر منها ، وكأنّ الورود في الحديث يعني به الرّد إلى المصدر .
وكذا في قولهصلى الله عليه وسلّم : قد أعطيت الكوثر نهر فى الجنة، .. لا يشربه إنسان أخفر ذمتى ولا قتل أهل بيتى ( ابن عدي والطبرانى وابن مردويه )
وكذا في قوله صلى الله عليه وسلّم : أوصيكم بعترتي خيراً وإنّ موعدكم الحوض. " ابن أبي شيبة وأبو يعلى " والحديث حسنه الهيثمي .
وكذا في قوله صلى الله عليه وسلّم : أَوَّلُكم واردًا على الحوض، أولكم إسلامًا، علي بن أبى طالب  ( الحاكم في صحيحه )
وكذا في قوله صلى الله عليه وسلّم :علي بن أبي طالب صاحب حوضي يوم القيامة، فيه أكواب كعدد نجوم السماء، وسعة حوضي ما بين الجابية إلى صنعاء. ( الخطيب وأبونعيم وابن راهويه والخلال والطبراني وحسنه الهيثمي )
وكذا في قوله صلى الله عليه وسلّم :علي مع القرآن؛ والقرآن مع علي؛ لن يتفرقا حتى يَرِدَا علىَّ الحوضَ. (الحاكم ، والطبراني)
وكذا في قوله صلى الله عليه وسلّم : ما بالُ أقوامٍ يقولون إنّ رَحِمي لا تنفعُ ، بلى واللهِ إنّ رحمي موصولةٌ ، وإنّي فَرطُكم على الحوضِ  ( الحاكم  وصححه)
وكذا في قوله صلى الله عليه وسلّم :أَوّلُ مَن يَردُ عليّ الحوضَ، أهلُ بيتي ، ومَن أحبّني مِن أمّتي  (ابن أبي عاصم والطبراني)  
وكذا في قوله صلى الله عليه وسلّم :لا يبغضنا أحد؛ ولا يحسدنا أحد، إلّا ذيد يوم القيامة عن الحوض؛ بسياط من نار (الطبراني)
ولقد أطلت الإستدلال ولكنّه داعي العجب، أفتكون هذه الجملة من الأحاديث عبثا، حاشا والله وإنّما هذا التلازم هو بيت القصيد، فالحوض وأهل البيت هما مظهران متناسبان متوازيان لمصدر واحد ، ألا وهو الكوثر المحمّدي .
والمغزى العام أنّه من ورد على معين ولاء العترة الطّاهرة ، فسيرد على الكوثر المحمّدي ، ومن تبرأ من أهل البيت فهو أبتر ، لا حظ له من ذلك الكوثر ، الذي من لم يرده لم يتأهل لدخول حضرة الله تعالى .  
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
محمّد المهدي




المساهمات : 21
تاريخ التسجيل : 01/05/2014

( تجليات الكوثر) للسيد الشريف الحسني Empty
مُساهمةموضوع: رد: ( تجليات الكوثر) للسيد الشريف الحسني   ( تجليات الكوثر) للسيد الشريف الحسني Emptyالجمعة مايو 02, 2014 10:17 am

5) الكوثر : كثرة الأمّة المحمّديّة
وقال بعضهم أنّ الكوثر هو كثرة أتباعه صلى الله عليه وسلّم ، فتكون الآية كأنّها ردّ على الذين قالوا بأنّه صلى الله عليه وسلّم قد بتر في ذرّيته ، ولم يخلّف من يرثه ويخلّد ذكره ، فردّت عليهم الآية أنّ هذا النبي العظيم صلى الله عليه وسلّم قد خلّف أمّة من ورائه ، وكلّهم أبناؤه وأعقابه وخدّامه ، وهو ما أكدته آية ( النّبي أولى بالمومنين من أنفسهم ، وأزواجه أمّهاتهم ) ومنهم من قرأ وهو أب لهم ، وإن كان هذا يفهم من ضمن الآية ، بل إنّ صلة النّبوّة أوثق من نسبة الأبوّة .
ويشير إليه كذلك حديث (تناكحوا تكاثروا فإني مباه بكم الأمم ) فلما كانت أمّته كلها أبناؤه ، سيباهي بهم الأمم الأخرى ، وبهذا كانت كثرة أمّته صلى الله عليه وسلّم كوثرا .
ويشهد لهذا كذلك حديث مسلم قوله صلى الله عليه وسلّم (عرضت علي الأمم فرأيت النّبي ومعه الرهيط، والنّبي ومعه الرجل والرجلان، والنّبي ليس معه أحد، إذ رفع لي سواد عظيم فظننت أنّهم أمّتي، فقيل لي هذا موسى uوقومه، ولكن انظر إلى الأفق فنظرت فإذا سواد عظيم، فقيل لي انظر إلى الأفق الآخر، فإذا سواد عظيم، فقيل لي هذه أمتك، ومعهم سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب ) .
بل قد يأتي مع أحد ورثته من الأتباع أكثر من أمم ، مثل حكاية الإمام الجيلاني قدس الله سرّه التي ذكر صاحب (بهجة الأسرار ) عن الشيخ أبي حفص عمر ثريدة قدس الله سره : أنّه رأى كأنّ القيامة قامت ، وجاء الأنبياء يتبعهم الرجل والرجلان والجماعة ، ثم أقبل سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم وأمته بين يديه كأنها السيل أو الليل ، وفيهم المشائخ ، ومع كل شيخ أصحابه يتفاوتون عددا ونورا، وأقبل شيخ منهم معه من الخلق ما لايحصى ، فسألت عنه ؟! فقيل لي : ذاك الشيخ عبد القادر الجيلاني قدس الله سره وأولئك أتباعه ، فقصدته وقلت له ياسيدي ما رأيت من المشائخ أبهى منك ، ولا في أتباعهم أكثر من أتباعك ، فأنشدني :
إذا كان منّا سيّد في عشـــــيرة **علاها وإن ضاق الخناق حماها
وما اختبرت إلّا وأصبح شيخها ** وما افتخـــــرت إلّا وكان فتاها
وما ضربت بالأبرقـــــين خيامنا ** فأصبح مأوى الطارقين سواها

6) الكوثر : القرآن العظيم
وقالت زمرة أخرى أنّ الكوثر هو القرآن العظيم ، الجامع لكلّ صغيرة وكبيرة ( مافرطنا في الكتاب من شيء ) وفي إسم القرآن إشارة دقيقة لهذا المعنى ، حيث أنّه من معاني القرء لغة الجمع ، والجمع من دلائل الكوثر ، وهذا من وجه جمعيّة الفرقان الصفاتيّة ، التي تنزّل بها صلى الله عليه وسلّم ليفرّقها على العالمين .
وأمّا من جهة جمعيّة القرآن الذّاتيّة الأحديّة ، فهو خزانة لكنز الشّؤون الأزليّة، والتي لا يغوص في قواميسها إلّا العبد الذّاتي صلى الله عليه وسلّم فمن هنا كان لكلام الله تعالى تجليان : الكوثر الفرقاني الصّفاتي ، والكوثر القرآني الذّاتي .
ومن الطّريف أنّ الكوثر هو (جمع الجمع ) عند اللّغويين ، وهو عينه المعنى الباطني الذي يدندن حوله العارفون .

7) الكوثر : الشفاعة العظمى
وقال سيدنا جعفر الصادق u أنّ الكوثر هو الشّفاعة ، وذلك من منطلق كونها تشمل العالمين ، لأنها تأثّر بمقتضى الرّحمة المطلقة المجبول عليها صلى الله عليه وسلّم ، فلمّا انسدلت على كثير من الخلائق سمّيت " كوثرا " ، ونعم الفهم هذا .
Cool الكوثر : النّبوة الذّاتية
ومنهم من قال بأنّ الكوثر هو النّبوّة المحمّديّة ، وذلك لمعنيين : إمّا لكون نبوّته الجامعة صلى الله عليه وسلّم كوثرا لكلّ النبوّات ، وقرآنه العظيم كوثرا لكلّ الكتب ، ورسالته الخاتمة كوثرا لكلّ الملل .
وإمّا لكون النّبوة المحمّديّة تعتبر حضرة جمع الجمع ، وسدرة منتهى التكاثر الفرقاني ، حيث أنّ الكلّ يجتمع عليه ، فهو مركز دائرة الوجود ، وغاية مجامع الشهود، فمن هنا كانت نبوّته صلى الله عليه وسلّم كأنّها كوثرا للكلّ بالكلّ .
9) الكوثر: هو التّجلي الإمكاني
ومنهم من قال بأنّ الكوثر هنا : يشير إلى تناسل العوالم من النّور المحمّدي الأوّل، حيث أنّه المبتدى وإليه المنتهى ، فبجمعيته لكلّ ذرّة في الوجود ، صارت روحه الأمّيّة كأنّها أمّ كوثر، لسعة أمومتها وإطلاق تجلياتها .
فيكون هذا المعنى أبلغ في الرّدّ على من قالوا بأنّه أبتر ـ وحاشاه ـ لفقد بعض بنيه الكرام u فهو في الحقيقة أبو الوجود بأكمله ، علوه وسفله وقبله وبعده ، وهم بمثابة أبنائه وعبيده ، يتصرف فيهم كيف شاء .
ولعله ما تعطيه دلالة ( أعطيناك ) ولم يقل ( آتيناك) لأنّ الإيتاء يجوز معه النّزع لأنّه ليس تمليكا ، وإنّما العطاء تمليك ، والتّمليك فيه حق التّصرف بخلاف الايتاء.
ولقد إهتدى إلى هذا المعنى سلسل بين النبوّة السيّد محمد بن عبد الكبير الكتاني قدس الله سرّه، حيث قال في ديوانته :
« واعلم أني فكرت يوما في دليل من الكتاب على أن للروح الأعظم إحاطة بجميع مراتب عوالم الإمكان، فألهمت من قولـه تعالى : {إنا أعـطيناك الكوثر} فكأن الحق يقول: إنا أعطيناك الإحاطة بجميع دوائب كرة العالم؛ علويها وسفليها، باطنها وظاهرها، كثيفها ولطيفها، جملة وتفصيلا، وعنه أفصح الكاف . ومع كونك هكذا فليس فيضك إلا من الوجود المطلق، وعنه أعرب الواو . ثم إنّك وإن حصل لك ما ذكر، فلا تخرج عن رق الحدوثية والحدَثان، فليس فيك شائبة حرية بالنسبة لهذا المقام . لكن وإن كنت كذلك، فالرب والمربوب مرتبطان ارتباط الألف واللام، وإليه الإشارة بالراء » .
ومن هذا المنطلق قال شبل دوحة الرّسالة الامام محمد وفا الشاذلي : (إنا أعطيناك الكوثر) فهي تتصرف بحكمك ولا تحكم عليك ، فالوحدة لك بالأصالة .
وكأنّه فهم من الكوثر أنّه طور الكثرة الإمكانيّة ، والتي تحجب الخلق عن العبادة ، أو طور الكثرة اللاهوتيّة ، والتي تحجب المقربين عن الشّهود، وأمّا حضرة النّور صلى الله عليه وسلّم فهو مقدّس بجمعيته الأحدية ، عن غلبة الكوثر النّوراني والتكاثر الظلماني .

10) الكوثر: هو المعرفة بذات الله
وقال بعض الحققين أنّ الكوثر هو معرفته صلى الله عليه وسلّم بربه، المعرفة الذّاتيّة الحقيقية الخاصة، والتي لا يجاريه فيها نبي مرسل ولا ملك مقرب، وقالوا بأنّ معنى (أعطيناك الكوثر) مرتبط بدلالة ( فصلّ لربّك ) أي صلّ لربّك بمشربك الأمّي، الذي فاض عليك به من كوثر الذّات الأقدس، وهذا السرّ في إسم ( ربّك) أي الذي يمتن عليك إمتنانا خاصا على قدر همّتك ونهمتك ، وهو ما خصّصته دلالة كاف الضمير المتّصل كذلك، كما هو الشأن في كلّ الآيات التي تحمل هذا الكاف المخصّص، مثل قوله تعالى ( سبّح اسم ربّك الأعلى ) وقوله عزّ وجل ( ألم تر كيف فعل ربّك ) ..فافهم .
وهذا هو الذي ينطبق عليه امتنان ( وعلّمك مالم تكن تعلم ، وكان فضل الله عليك عظيما ) وكفى بمعرفة الله كوثرا، وكيف لا وهي العلّة الغائيّة ( وما خلقت الجنّ والإنس إلّا ليعبدون ) وفسرها ترجمان القرآنرضي الله عنه : أي ( إلّا ليعرفون ) إذا فالمعرفة هي غاية العبادة، و ( الكوثر) هو غاية ( فصلّ لربّك وانحر) .
وقالوا كذلك بأنّ السّياق يناسب هذا المدلول، وهو بمقابلة الكوثر للصلاة والنّحر، فلا بدّ أن يكون هذا الكوثر هو مادة هذه العبادات ، ومّادة العبادة ماهي إلّا المعرفة بالله تعالى .
وذلك مافهمه الحافظ الطيّبي في شرحه لحديث (ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة) فقال رحمه الله : لمّا شبّه المسافة الّتي بين البيت والمنبر، بروضة الجنّة لكونها محل الطاعة والذكر ومواضع السّجود والفكر، أتى بقوله (ومنبري على حوضي) إيذانا بأنّ استمداده من البحر الزّاخر النبوي، ومكانه المنبر الموضوع على الكوثر، الّذي يفيض منه العلم الإلهي، فجعل فيضان العلم اللدني من المنبر إلى الروضة .
وهو ما ذهب إليه سيدي عبد الكريم الجيلي قدس الله سرّه في ( الكمالات الالهية ) حيث قال ( الكوثر) يعني المعرفة الذاتية الإلهية، الّتي يستمد منها كل من سواه .

11) الكوثر: هو الغنى بالمطلق
واختار بعضهم أنّ (الكوثر) هو الغنى بالله تعالى ، أوقل بالأحرى الغنى بالذّات الأقدس، مقابل مَن غناهم بخلع الأسماء والصّفات، أو من غناهم بزخرف الآثار .
وسياق الآية يقبل هذا الوجه من التّأويل ، حيث أنّ العطاء العظموتي يورث الإستغناء، فتصير الآية كأنّها تقول إنّنا أغنيناك بنا عن كلّ شيء، فتوجّه لنا وسنكفيك كلّ كيد، فيناسب السّورة من هذا الإعتبار قوله تعالى ( أليس الله بكاف عبده) أي كافيه مددا وصلاة وخلّة ونصرة ..
11) الكوثر: هو الوسيلة
وقال آخرون أنّ الكوثر هو مقام الوسيلة ، والتي أمرنا صلى الله عليه وسلّم أن نطلبها له بل لنا ، والتي قال فيها ( لا تكون إلّا لرجل واحد ، وأرجوا أن أكون أنا ) ورجاؤه صلى الله عليه وسلّم حقيقة، فأعلى رتبة لاتكون إلّا لأعلى عبد ، ومن هنا كانت منّة الحق سبحانه بأعظم عطيّة، فقال ( إنّا أعطيناك الكوثر ) .
ويشهد لهذا حديث الكثيب الذي قال فيهصلى الله عليه وسلّم (.. حَتَّى يَجْلِسُوا عَلَى الْكَثِيبِ، ثُمَّ يَتَجَلَّى الله لهم ..) فالكثيب مأخوذ من الجمع ، والجمع من دلائل الكوثر .
فيكون مدلول الآية إنّنا أعطيناك" كوثر الجمع الذّاتي "، لأحبابك وأتباعك وخدّامك ، عندما روجت ذلك لهم ، بعدما كنت ولازلت في " أحدية الجمع الذّاتي ".
وقد أشار إلى هذه اللّفتة النفيسة في حديث المعراج ، فحينما قال الحق سبحانه ( السلام عليك أيها النبي ) ردّ الحبيب صلى الله عليه وسلّم ( السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ) فانظر كيف أنّه لم ينسانا حتّى في حال جمعيته الأحديّة .
قلت : وما سمّي ذلك المقام بالوسيلة ، إلّا لأنّه أعظم وسيلة لأعظم غاية ، وهو أعظم غاية لمن دونه أيضا .

13) الكوثر: هو النّهر النّوراني
ولقد نصّ الحديث الصّريح على هذا في عدّة مواضع، ومنها ما رواه ابن مردويه وغيره عن سيّدنا أنسرضي الله عنه قال : دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقال :" قد أعطيت الكوثر قلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ما الكوثر ؟ قال : نهر في الجنة عرضه وطوله ما بين المشرق والمغرب، لا يشرب منه أحد فيظمأ ولا يتوضأ منه أحد فيتشعث أبدا، لا يشرب منه من أخفر ذمّتي، ولا من قتل أهل بيتي " .
ولقد تفنّن العارفون في مدى إشارة هذا الحديث ، واستخرجوا من هذا النّهر النّوراني جواهر المعاني ، وخلاصة ما قالوه أنّه إشارة إلى المدد المحمّدي الذّاتي ، المعبر عنه بمقام الوسيلة، والذي له سواقي تمدّ كلّ رتب الجنان، وهو الذي يصبّ في الحوض الشريف ، الذي من شرب منه شربة لن يظمأ أبدا .
ولقد سمّاه بالنّهر ولم يسميه بالبحر والبحر أوسع مددا ، إشارة منه إلى ضعف القوابل الإمكانيّة ، عن تقبّل الفيوض الذّاتيّة، فلا بدّ لها من تخفيف في تركيز السّقي، وأنّى بالصفاتيين بمواجهة الأمواج الأحديّة ، فالنّهر فيه دلالة التّدرج في التّرقّي ، ودلالة التّفصيل في التّلقي .
وممّا يشير إلى ذاتيّة الكوثر ، وأنّه منبع مددي غيبيّ، قول الصّديقة رضي الله عنها فيما رواه أحمد : «الْكَوْثَرُ نَهَرٌ أُعْطِيَهُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلّم فِي بُطْنَانِ الْجَنَّةِ» وقولها بطنان الجنّة إشارة إلى الكثيب الفيّاض، الذي ينهمر بأنهار الإمدادات الذّاتيّة .
وحاشا نعيم الجنّة أن يحصر في النّعيم الحسّي، وإنّما هو شراب معنوي مفعم بالأنوار والأسرار الربّانية والمحمّديّة ، وعليه فإنّ كلّ ما قاله أهل العلم والعرفان، من تآويل لمعنى الكوثر، فإنّه يدخل تحت مضمون هذا الحديث .
وكما هو مشهور عند أهل المعرفة، أنّ السّقي الظاهر فيه إشارة إلى السّقي الباطن ، فالماء دلالته؛ وللّبن دلالته؛ وللخمر وللصديد .. وهكذا .
والحق سبحانه حينما يعدد لنا نعيم الجنّة الحسي دون المعنوي ، ليس معناه خلو النعيم الربّاني من الجنّة، ولكنّه جذب للنفوس بما تعرفه ، أمّا مالا تعرفه ولا تعهده فيكفي فيه التّشويق بالإشارة كقولهصلى الله عليه وسلّم : ( فيها ما لاعين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على بال بشر) .
وهل تظنّ أنّ تلك الأنهار الأربعة، التي ذكرها الحق سبحانه في سورة الفتح، هي ماء ولبن وعسل وخمر وكفى ، إذا فما الفرق بين الجنّة والدنيا ؟!
أجل هي أنهار سقاية ولكن ( قد علم كلّ أناس مشربهم ) فمن كان منذ هذه الدّار الفانية ، يزهد في مثل هذه الأشربة اللّذيذة، كيف يرضى هناك في تلك الدّار الباقية بمثلها، فشتّان بين شراب الدّنيا وشراب الجنّة ، بل وشتّان مابين شراب العامة وشراب الخاصة ، بل وشتّان ما بين حياض الجنّة والكوثر الذّاتي .
وعليه فإنّ السّقي من النّهر، فيه دلائل على سقي الأنوار بأنواعها وأشكالها، ولهذا تجد الشرع الحنيف ، كثيرا ما يعبر عن الهدى والإيمان ، بالماء والغيث واللّبن ، بل حتّى إنّ إسم الشّرع مأخوذ من الشّريعة وهي "منبع الورود" ومشارع المياه هي سواقيه ، ووجه الشبه بين الماء والإيمان هو الحياة، فقارن بين آية (وجعلنا من الماء كل شيء حي) وآية (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم) ؟ .
وإليك النتيجة الحتميّة في هذا الحديث المبارك «إن مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل غيب أصاب أرضا؛ فكان منها طائفة قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب والكثير، وكانت منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا ورعوا وسقوا وزرعوا، وأصابت طائفة منها أخرى إنما هي قيعان لا تمسك الماء ولا تنبت الكلأ، فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه الله بما بعثني ونفع به فعلم وعلم، ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به» فافهم .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
القادري




المساهمات : 4
تاريخ التسجيل : 07/05/2014

( تجليات الكوثر) للسيد الشريف الحسني Empty
مُساهمةموضوع: رد: ( تجليات الكوثر) للسيد الشريف الحسني   ( تجليات الكوثر) للسيد الشريف الحسني Emptyالأربعاء مايو 07, 2014 3:53 pm

ماشاء الله على هذا الفتح المحمدي الجديد { الله أعلم حيث يجعل رسالته }
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
( تجليات الكوثر) للسيد الشريف الحسني
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الحقيقة المحمّديّة :: التفسير الإشاري المحمّدي-
انتقل الى: